9 فبراير 2013

مصيدة امريكية سعودية باليمن عبد الباري عطوان


ظلت السلطات السعودية، وطوال السنوات العشر الماضية، تتباهى بأنها طردت القوات العسكرية الامريكية من اراضيها عام 2003، لتأكيد سيادتها الوطنية، وقرارها المستقل، والحفاظ على ارض الحرمين خالية من اي قوات اجنبية، لسحب ورقة مهمة من ايدي الجماعات الجهادية ورجال الدين الاصلاحيين والمحافظين داخلها، وما اكثرهم.
فزعيم تنظيم 'القاعدة' الشيخ الراحل اسامة بن لادن اسس هذا التنظيم في بداية الأمر تحت عنوان إخراج القوات الاجنبية من ارض الحرمين المقدسة، ونظم عمليات عام 1996 لضرب وحدات عسكرية امريكية في الرياض والخبر شرقي المملكة، وهاجم انصاره مجمعا للأجانب في قلب العاصمة، وحاولوا اقتحام عصب الصناعة النفطية في الدمّام.
قبل بضعة ايام فجّرت الصحافة الامريكية قنبلة من العيار الثقيل جدا احرجت الحليف السعودي في وقت حساس للغاية، عندما كشفت عن اقامة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية سرية في مكان ما على ارض المملكة لإيواء وانطلاق طائرات بدون طيار(درون) لتنفيذ عمليات اغتيال لقيادات تنظيم القاعدة وعناصرها في اليمن، مستغلة، اي الصحف الامريكية، فرصة ترشيح الرئيس اوباما لجون برينان مهندس حرب الاغتيالات بهذا النوع من الطائرات، لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، وهو الترشيح الذي يواجه معارضة في الكونغرس.
الاهم من ذلك كله ان هذه الصحف التي امتنعت عن نشر اي معلومات عن هذه القاعدة السرية والتي اقيمت عام 2010 لأسباب تتعلق بحماية الأمن القومي الامريكي، وبطلب مباشر من الرئيس اوباما، كشفت ان الطائرات بدون طيار هذه التي اغتالت المهندس انور العوقلي ونجله (2011)، وسعيد الشهري (قبل شهر) زعيم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وعشرات اليمنيين الابرياء، انطلقت من هذه القاعدة السرية.
لا نعرف ما هي المبررات التي دفعت القيادة السعودية الى الإقدام على استضافة هذه القاعدة السرية الخطيرة على اراضيها، والتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية، وتسهيل مهماتها في تنفيذ عمليات اغتيال دموية في بلد عربي مجاور، وهي التي تدرك جيدا خطورة هذا العمل، ليس لانه يعتبر تدخلا مباشرا في شؤون داخلية لدولة عربية جارة فقط، وانما ايضا التورط في قتل مواطنين ابرياء، ليس لهم اي علاقة بتنظيم 'القاعدة' مثلما حدث في باكستان وافغانستان، وبما يعرّض امنها الوطني للخطر، وتفتح على نفسها ابواب العنف الجهنمي.
' ' '
المملكة العربية السعودية، وفي عهد ملكها الحالي الملك عبدالله (كان حينها وليا للعهد) طردت، وبقرار منه، القواعد الامريكية من المملكة عام2003 التي كانت موجودة في قاعدة الامير سلطان في الخبر، ثم انتقلت بعدها الى قاعدة الخرج في قلب الصحراء بعد الهجوم على مهجع للقوات الامريكية فيها، يعتقد ان تنظيم القاعدة يقف خلفه، رغم اتهام الحكومة السعودية لحزب الله السعودي الشيعي وايران بتنفيذه في حينها، وهدف الطرد هو الاستجابة لطلبات رجال الدين الاصلاحيين الشباب، ولحرمان تنظيم القاعدة من استخدام هذه الورقة للتحريض ضدها.
خطورة هذه الخطوة تكمن في نتائجها المستقبلية الكارثية على المملكة وأمنها، صحيح ان اليمن تحول الى دولة فاشلة تحكمه حكومة مركزية ضعيفة بعد عزل الرئيس علي عبدالله صالح، في ثورة شعبية عاصفة، وهذا يمكن ان يهدد أمن المملكة الجارة، ولكن التورط في حرب اغتيالات ربما سيخلق ثارات، ويحرض على عمليات انتقامية، وتسهيل عمليات التجنيد في صفوف القاعدة ضدها، اي المملكة، واليمن قبل شيء مجتمع قبلي عشائري والثأر من صميم عقيدته. ويكفي حرب المملكة مع الحوثيين على حدودها الشمالية، وتدفق اسلحة ايرانية الى الجنوب المطالب بالانفصال.
الطائرات بدون طيار التي تخوض حربا توصف بأنها الاكثر جبنا في التاريخ، لانها تضرب اهدافها من ارتفاعات شاهقة، قتلت بين 3000 و4000 انسان في افغانستان والقبائل الحدودية مع باكستان على مدى السنوات الخمس الماضية، معظمهم من المدنيين. وفي احدى المرات هاجمت عرسا باكستانيا وارتكبت مجزرة راح ضحيتها اكثر من ثلاثين شخصا معظمهم من الاطفال.
ماذا لو هاجمت هذه الطائرات بدون طيران عرسا مماثلا في ابين او الضالع او عدن بحجة مشاركة احد قادة القاعدة فيه؟ هذه الطائرات هاجمت سيارات اجرة وقتلت ركابها جميعا، مثلما هاجمت منازل لمدنيين في الجنوب اليمني، وكان بين القتلى اطفال ايضا. فكيف سيكون وضع السلطات السعودية التي انطلقت طائرات القتل هذه من اراضيها؟
' ' '
اليوم تنطلق هذه الطائرات الامريكية لقتل عناصر للقاعدة في اليمن، وماذا لو انطلقت لتصفية مقاتلي جبهة النصرة، واحرار الشام، وصقور الشام في سورية مثلا، ومن القاعدة نفسها في السعودية، او من قواعد اخرى تقام في الشمال في منطقة تبوك مثلا؟ ألم تضع الولايات المتحدة جبهة النصرة على قائمة الجماعات الارهابية قبل شهر؟
الرئيس باراك اوباما الذي بات يستخدم هذه الطائرات لإرهاب العالم، وكبديل عن الطائرات التقليدية، وارسال الجيوش للغزو والاحتلال على غرار ما حدث في العراق وافغانستان، يقول ان القتل بصواريخ هذه الطائرات يعتبر شرعيا واخلاقيا ويتماشى مع القانون الدولي ولا يشكل انتهاكا له.
لنفترض اننا عكسنا المعادلة، وقال انصار تنظيم القاعدة ان مهاجمتهم لأهداف امريكية في نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو، او اعتداءهم على مواطنين امريكيين في مختلف انحاء العالم هو ردّ انتقامي على هذه الاغتيالات التي تستهدفهم في اليمن والصومال والحدود الافغانية ـ الباكستانية.
طائرات الدرون هذه فشلت في القضاء على تنظيم القاعدة، بل جعلته اكثر قوة وصلابة واوسع انتشارا، فغباء السياسات الامريكية ودمويتها جعلا التنظيم يفتح فروعا في اليمن والصومال والعراق والمغرب الاسلامي وليبيا ومالي ونيجيريا، واخيرا في سورية الى جانب فرعه المؤسس في افغانستان.
الإدارة الامريكية نجحت في توريط معظم دول الخليج في حروبها ضد القاعدة، وربما في حرب قادمة اكثر خطورة ضد ايران، من خلال اقامة قواعد بحرية في البحرين، وجوية في قطر، وارضية في الكويت (قاعدة الدوحة) وفرنسية في ابوظبي. ولكن قاعدة السي آي ايه الجديدة هذه قد تكون الاكثر خطورة لانها تنفذ عمليات اغتيال دموية غير اخلاقية وغير شرعية.
ما كنا نتمنى للمملكة وقيادتها ان تقع في مثل هذه المصيدة الامريكية المكلفة اخلاقيا وسياسيا وشرعيا، وان تتراجع في الوقت نفسه عن قرار صائب اتخذته بطرد القواعد الامريكية من اراضيها، وهي التي تستضيف الحرمين الشريفين على اراضيها المقدسة.
Twitter:@abdelbariatwan

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق